الثلاثاء، 12 نوفمبر 2024

Debauchery and Decadence

المجون والانحلال


Debauchery and decadence around with people

نشأ المجون كنتيجة حتمية لتداخل عوامل عديدة أسهمت في تفشيه وانتشاره؛ من أبرزها كثرة القيان والجواري اللاتي استقدمن من مختلف أنحاء العالم؛ بدءاً ببلاد الزنج ومروراً بإفريقيا الشرقية، الهند، وأواسط آسيا، وصولاً إلى الأسيرات اللواتي جُلبن من غزوات العرب. غصت بهن القصور، كنَّ من خلفيات ثقافية ودينية ومدنية متباينة، واستطعن التأثير على الحياة الاجتماعية في العصر العباسي، وتزايد شأنهن عندما تزوج بعض الخلفاء منهن؛ فأم المنصور كانت حبشية، وأمّا الهادي والرشيد فأمهما الخيزران الرومية، والمأمون أمه فارسية، في حين كانت أم الواثق أيضاً رومية الأصل.

وبنيت في بغداد بيوت للغناء، وجُلب لها أشهر العازفين والشعراء المغنين، حتى صار بيع المغنيات يتم بمبالغ ضخمة من الدراهم؛ مثلما اشترى صالح بن عليّ، عم المنصور، الجارية "سعده" بتسعين ألف درهم، وابن أخيه جعفر بن سليمان، الذي اشترى جاريتين بمئتي ألف درهم. ومع انتشار القيان في المجتمع العباسي، انتشرت عادات وممارسات كانت تتسم بالجرأة، وكان يُستخدم خلالها ألفاظ مكشوفة دون حياء، كما حدث حين أهدت إحدى الجواري للخليفة المهدي تفاحة وهي تقول:

هديّةٌ منّي إلى المهديِّ، تفاحة تُقطف من خدّي
محمرّةٌ مصفرّةٌ طيّبت كأنّها من جنة الخلد

كما رافقت جلسات اللهو احتساء الكؤوس حتى الثمالة. وكان بعض الخلفاء كأمثال الهادي والأمين منغمسين في حب الخمر، حيث جلس الأمين في مجالس الشراب مع الحسن بن هانئ، طالبًا منه أن يُنشّطه ليكمل الشراب فأنشده الحسن قائلًا:

نبّه نديمك قد نعسْ، يسقيك كأسًا في الغلسْ
صرفًا كأنّ شعاعها في كفّ شاربها قبسْ
تذرُ الفتى وكأنّما بلسانه منها خرسْ

كانت هذه المجالس الخمرية ظاهرة منتشرة في العصر العباسي، وتحدث عنها الشعراء بصراحة دون خشية من أحد، فنجد أبا نواس يصف إحدى جلسات الخمر قائلاً:

ودارُ نُدَامى عطّلوها وأدلجوا، بها أثرٌ منهم جديدٌ ودارسُ
مساحبُ من جرّ الزقاق على الثرى، وأضغاثُ ريحانٍ جنيّ ويابسُ
حبستُ بها صحبي فجددت عهدهم، وإنّي على أمثال تلك لحابسُ
أقمنا بها يومًا ويومًا وثالثًا، ويومًا له يومُ الترحّل خامسُ
تُدار علينا الراح في عسجدية، حبَتها بألوان التصاوير فارسُ
قرارتها كسرى وفي جنباتها، مهىً تَدْريها بالقسيّ الفوارسُ
فللخمر ما زُرّت عليه جيوبها، وللماء ما دارت عليه القلانسُ

وكذلك اعتاد العرب الاحتفال بالأعياد الفارسية كالنيروز والمهرجان، وأقاموا لها احتفالات عظيمة صرفت عليها أموال المسلمين.

وكانت هناك أعيادٌ مسيحيةٌ أيضًا كعيد الميلاد، وعيد الفصح، وعيد الشعانين، التي كان لها أثرٌ بالغٌ في نشر البهجة بين الخلفاء. حيث كانت الجواري المسيحيات يحولن القصور إلى ساحاتٍ للهو والملذات، بعيدًا عن أيّ رقابةٍ أو قيد. وقد أدّى هذا الجو إلى انتشار شعر الغزل الجريء، الذي لم يُبقِ للمرأة كرامة أو قيمة، بتشجيعٍ من شعراء مثل مطيع بن إياس وبشار بن برد، الذي عبّر بشعره عن نداءٍ صارخٍ للغريزة الجسدية، مما دفع بعض الوعّاظ في زمانه، أمثال واصل بن عطاء ومالك بن دينار، إلى مناشدة الخليفة للتدخل والحد من تأثير هذا الفساد، حتى أن الخليفة المهدي نفسه حذّر بشارًا، لكن دون جدوى.

ومن الظواهر التي شاعت في ذلك العصر أيضًا، التعلّق بالغلمان، وكان أبة بن الحباب أول من نشر هذا النوع من الشعر، ولحقه تلميذه أبو نواس، فأفرط في الكتابة عنه، لكن الرواة والمصنفين تجاهلوا الكثير من هذا الشعر ورفضوا تدوينه، فبقي منه القليل في بعض الكتب، مثلما قال أبو نواس في وصف أحد غلمان الرهبان الصغار وكان في لسانه لثغة:

ومورّد الخدّين من رهبانهم، هو بينهم كالظبي بين ليوث
جادلته في قبلةٍ فأجابني، لا والمسيح وحرمة الناقوس

في النهاية، أثّرت هذه الظواهر الناجمة عن الامتزاج بين العرب والأعاجم في الحياة العباسية، وأنتجت مجتمعًا متعدد الأوجه، يجمع بين النسك واللهو، بين الترف والفقر، وبين الإيمان والإلحاد، فكان عصرًا متنوعًا في جميع نواحيه، وانعكس فيه طابع التجديد، وبرزت فيه معالم الحضارة المدنية بشكلٍ قوي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

Your Ad Spot