العلاقة بين العرب والفرس في عهد الأمويين
The relationship between Arabs and Persians during the Umayyad era: tensions and integration
بعد أن فتح العرب أراضي إيران،
توثّقت العلاقات بين العرب والفرس إلى أقصى حدودها. هذا المزيج بين الثقافتين
استمر في التزايد على مر الأيام حتى تمازجت الجهتان، مُشكلتين أمة واحدة تُعرف
بالأمة الإسلامية. لم يبقَ للفرس سوى نسبهم القديم بعدما اعتنقوا الإسلام وتعلموا
اللغة العربية، فأصبحت لغتهم هي اللغة العربية بكل تفاصيلها. لم يكن أمام الفرس
مفرّ من تعلّم العربية، فهي لغة الدين والدولة، وهذا ما جعل اندماجهم في المجتمع
العربي كاملاً.
ومع كل هذه المظاهر الظاهرة للوحدة،
لم يتمكن الفرس من قمع مشاعرهم الداخلية، وكلما مرّ الزمن، زاد شعورهم بالحاجة إلى
التعبير عن تلك المشاعر المكتومة. إن قتل الفرس للخليفة عمر بن الخطاب أثر بعمق في
العرب، ولا غرابة أن الشعور بنشوة الانتصار على الفرس كان له تأثير كبير عليهم.
هذا الشعور دفع العرب إلى الفخر بإنجازاتهم وشعورهم بالاعتزاز.
ولا يمكن إغفال أن مرور الزمن دفع
العرب بعيداً عن تعاليم الإسلام التي كانت تنادي بالتخلي عن العصبيات وعدم التفرقة
بين العرب وغيرهم، إذ أن الإسلام يساوي بين جميع المسلمين. لكن مع مرور الوقت،
عادت العصبية لتظهر بين العرب، وتغيّرت نظرتهم إلى الفرس. روي أن نافع بن جبير كان
إذا مرّ بجنازة، سأل عن هوية المتوفى، فإذا كان قرشيّاً قال: "واقوماه"،
وإذا كان عربيّاً قال: "واجبناه"، أما إذا كان مولى أو أعجمياً، قال:
"اللهم هم عبادك تأخذ منهم من تشاء وتترك من تشاء."
وقال الأصمعي إنه سمع أحد الأعراب
يقول لآخر: "هل تعتقد أن هؤلاء العجم سيتزوجون نساءنا في الجنة؟" فرد
الآخر قائلاً: "نعم، بإذن الله بالأعمال الصالحة." فقال له الأعرابي:
"سوف نمشي على رؤوسهم قبل أن يحدث ذلك."
أما الفرس الذين كانوا يصفون أنفسهم
بـ "أبناء الأحرار"، والذين كانوا يعتبرون العرب في عهد الساسانيين أدنى
جيرانهم، فقد انقلبت الأحوال عليهم حتى لقبوا بـ "الموالي". وعندما هزم
مصعب بن الزبير المختار، أعدم أربعة آلاف من الفرس في يوم واحد.
في تلك الفترة، عُرف الفرس بمساندتهم
للثوار ضد الأمويين، وكانوا يتطلعون إلى إسقاط حكمهم. أحداث كربلاء أشعلت الغضب في
العالم الإسلامي، وأثارت القومية الفارسية التي ساعدت العباسيين لاحقاً في إسقاط
الدولة الأموية.
انضم الفرس إلى الأشعث في ثورته
أملاً في التحرر من الحكم الأموي. وكان الموالي من الفرس حلفاء لكل من أراد خلع
طاعة الأمويين أو المطالبة بالخلافة، سواء من العلويين أو الخوارج.
بلغت الجرأة بإسماعيل بن يسار، شاعر
فارسي الأصل، أن يلقي قصيدة في حضرة الخليفة هشام بن عبد الملك، يفتخر فيها
بالعجم. قيل إن هشام كان جالساً على بركة في قصره وطلب من إسماعيل أن ينشده من
شعره، فأنشد قصيدة منها هذه الأبيات:
فاستشاط هشام غضباً وسبّه قائلاً:
"أتفتخر عليّ وأنت تلقي قصيدة تمدح فيها نفسك وقومك؟" ثم أمر بإلقائه في
البركة حتى كادت نفسه تخرج، ومن ثم نفاه إلى الحجاز.
في عهد الأمويين، كان الموالي الفرس
في حالة من الذل والمهانة، ولم ينصفهم إلا الخليفة عمر بن عبد العزيز الذي كان
معروفاً برفقه ولينه. خفف عن الفرس في خراسان وطأة الضرائب، وأقال الحكام
الظالمين، وساوى بين جميع المسلمين، كما منع تدمير بيوت النار للمجوس وإن لم يسمح
ببناء جديدة.
رغم ذلك، فإن إنصاف الفرس وتحسين
أوضاعهم ساهم في تقوية شوكتهم وإشعال رغبتهم في الثورة. النزاع بين بني أمية وبني
هاشم دفع بني هاشم إلى الاعتماد على دعم الفرس في ثوراتهم.
الفرس لم يتوقفوا عند هذا الحد، بل
أصبحوا القوة الداعمة وراء العديد من الثورات ضد الأمويين. إذ أن النزاع بين بني
أمية وبني هاشم، والصراعات القبلية والعائلية، أتاح الفرصة للفرس للتدخل والوقوف
إلى جانب بني هاشم. هذا الدعم لم يكن مجرد موقف سياسي، بل تعبير عن استياء قديم من
حكم الأمويين الذي اعتمد بشكل كبير على العرب، تاركًا الفرس والمجموعات الأخرى في
مواقع دونية.
على سبيل المثال، انضم الفرس إلى زيد
بن علي بن الحسين في ثورته على الأمويين عام 121 هـ على أطراف الكوفة، وبعد مقتله،
أوصى أحد أصحابه ابنه يحيى بالتوجه إلى خراسان، إذ أن أهل خراسان كانوا من أنصاره
المخلصين. وعبداﷲ بن معاوية، وهو من نسل جعفر بن أبي طالب، وجد أيضًا أنصارًا له
في مدن مثل أصفهان والري وقم، واستطاع أن يجمع حوله جماعات من الفرس كانت تبحث عن
فرصة للانتقام من الأمويين.
هذا الدعم الفارسي لم يكن محدودًا
ببني هاشم فقط، بل امتد ليشمل العباسيين أيضًا، الذين استطاعوا بفضل تحالفهم مع
الفرس الإطاحة بالأمويين وانتزاع الخلافة منهم. ويعود الفضل الأكبر في نجاح
العباسيين إلى الدعم الفارسي القوي، الذي كان يأمل في تأسيس نظام حكم جديد يعيد
لهم بعضًا من مكانتهم الضائعة تحت الحكم الأموي.
لم يكن هذا التحالف مجرد اتفاق
سياسي، بل كان نتاجًا لعقود من التراكمات التاريخية، حيث شعر الفرس دائمًا أنهم
الطرف الأضعف في ظل النظام الأموي. وعلى الرغم من كل الجهود التي بذلها بعض
الخلفاء الأمويين، مثل عمر بن عبد العزيز، في محاولة تخفيف معاناة الفرس، إلا أن
الرغبة في الانتقام واستعادة المجد القديم كانت أقوى من أي إصلاحات جزئية.
الفرس استغلوا ببراعة كل فرصة سنحت
لهم لإضعاف النظام الأموي، وقدموا الدعم لكل من كان يعارض الأمويين، سواء كانوا
علويين أو خوارج أو حتى حركات محلية صغيرة. وفي النهاية، كان هذا التحالف
الفارسي-العباسي هو الذي وضع النهاية لحكم بني أمية وأسس لحقبة جديدة في تاريخ
العالم الإسلامي.
إن هذا التحول التاريخي لم يكن مجرد
تبديل في السلطة، بل كان أيضًا إعادة تشكيل للعلاقات الاجتماعية والثقافية بين
العرب والفرس. إذ بدأ الفرس يستعيدون بعضًا من مكانتهم السياسية والاجتماعية تحت
الحكم العباسي، وأصبحت الثقافة الفارسية تلعب دورًا محوريًا في تشكيل الحضارة
الإسلامية في مراحلها اللاحقة، خاصة في العصر الذهبي الذي شهدته الخلافة العباسية.
الخلاصة
أن الصراع بين العرب والفرس
في عهد الأمويين كان مليئًا بالتوترات التي تراكمت على مر الزمن، ورغم محاولات بعض
الخلفاء لتخفيف حدة هذه التوترات، إلا أن الشعور بالتمييز والظلم دفع الفرس إلى
البحث عن فرص للثورة والانفصال.
- 🏛️ بعد الفتح العربي لإيران، اندمج
العرب والفرس ثقافياً ودينياً تحت مظلة الإسلام، مما عزز الوحدة بينهما.
- 🗣️ رغم تعلم الفرس اللغة العربية
واندماجهم في المجتمع العربي، إلا أن مشاعر الاستياء الداخلي ظلت موجودة.
- ⚔️ كانت هناك توترات بين العرب
والفرس، وأبرزها حادثة مقتل الخليفة عمر بن الخطاب التي أثرت على العلاقات.
- 🛡️ عودة العصبيات بين العرب أدت
إلى زيادة الفوارق الاجتماعية مع الفرس، الذين لقبوا بـ "الموالي"
في ظل الحكم الأموي.
- 🤝 الفرس دعموا الثورات ضد
الأمويين، بما في ذلك مساندتهم للعباسيين في الإطاحة بالأمويين وتأسيس الدولة
العباسية.
- 🔥 الفرس استغلوا الخلافات بين بني
أمية وبني هاشم لدعم الثورات ومحاولة استعادة مكانتهم.
- 🌍 في العهد العباسي، استعاد الفرس
بعضًا من نفوذهم السياسي والاجتماعي، وأصبحت الثقافة الفارسية مؤثرة في
الحضارة الإسلامية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق