الثلاثاء، 1 أكتوبر 2024

The Conquest of Persia

دور عمر بن الخطاب في فتح فارس وتوزيع ثروات المدائن بين المسلمين

The role of Omar bin Al-Khattab in the conquest of Persia and the distribution of the wealth of Al-Madain among Muslims


the conquest of Persia


ولا يمكن أن نغفل عن ذكر عمر بن الخطاب ودوره المحوري في فتح فارس قبل أن نتطرق إلى حادثة طريفة. حيث يُقال إن المسلمين عند دخولهم المدائن وجدوا بساط "بهار كسری"، وكان ثقيلاً بحيث لم يستطيعوا حمله كاملاً. وكان الفرس يستخدمونه في الشتاء عندما تتساقط الزهور، فيجلسون عليه ويشربون وهم محاطون برسوماته، وكأنهم في بستان غاية في الجمال. ولكن تقسيم هذا البساط كان صعباً، واستحال أن يشتريه أحد. فاستشاروا عمر في الأمر، فأمر بتقطيعه وتوزيعه بين المسلمين، فحصل أحدهم على قطعة منه وباعها بعشرين ألف درهم، وكانت تلك القطعة من أقل الأجزاء قيمة. كما أرسل سعد بن أبي وقاص لعمر، بعد انتصار المسلمين في القادسية، قباء كسرى وسيفه وحزامه وسرواله وقميصه وتاجه وحذاءيه. نظر عمر إلى القوم ثم أمر أعرابياً بارتداء ملابس كسرى، وعندما رآه متوشحاً بتلك الملابس استهجن المشهد وأمر بخلعها فوراً، قائلاً: "إن الله لم يمنحها لنبيه، وكان أحب إليه منا". وخشي عمر أن يكون الله قد أراد به مكراً، فبكى حتى أشفق عليه الحاضرون.

عند مقارنة موقف عمر والخنساء وأبنائها بما ذكره يزدجرد، نجد تضادًا واضحاً. لقد أشار بعض الكتاب إلى أن الفرس اعتنقوا الإسلام برضا وطواعية دون إجبار. واستدلوا بأقوال علماء غير مسلمين، منهم من قال إن معظم الفرس تحولوا إلى الإسلام في غضون قرون قليلة دون أي إكراه حقيقي. ولطالما تساءل الباحثون عن كيف استطاع العرب، بجيوشهم البسيطة، هزيمة الفرس، إحدى أعظم الإمبراطوريات حينذاك، وكيفية اعتناق الفرس الإسلام طوعاً، وتركهم لتقاليدهم الدينية القديمة بشكل شبه كامل.

وقد لاقى الإسلام قبولاً واسعاً بين أصحاب الحرف والصناعات، خاصةً لأن الديانة الزرادشتية كانت تقيّدهم وتفرض عليهم محاذير كثيرة، في حين أتى الإسلام محرراً لهم، جاعلاً إياهم إخوة في الدين.

كما رأى بعض المؤرخين أن هناك أوجه شبه بين الإسلام والزرادشتية، مثل وجود الملائكة والشياطين والبعث والصلاة، وهو ما سهل انتشار الإسلام بين الفرس.

وقد مال بعض المؤرخين إلى القول بأن انتشار الإسلام بين الفرس كان نابعًا من تشابه عقائدي بين الديانتين، حيث يروى أن الفرس الزرادشتيين سألوا العرب الفاتحين عن معتقداتهم، فأجاب العرب بأنهم يؤمنون بإله واحد أرسل نبيه إلى العالمين، فرد الفرس قائلين: "أنتم تعتقدون مثلنا". ورأى البعض في هذا أنه السبب الأساسي الذي أدى إلى سرعة التحول نحو الإسلام في صفوف الفرس.

ولكن هناك رأي آخر لا يلتفت إلى هذا التفسير، حيث يقال إن الإسلام في جوهره هو دين يقف في مكانة خاصة بين الأديان كلها، إذ يضم في عقيدته الإيمان بموسى وتوراته وعيسى وإنجيله، ويقدم تصديقاً لما جاء من قبل، ويسعى لإزالة الفروق التي مزقت العالم. وقد كانت هذه الرسالة الإنسانية التي جاءت مع الإسلام هي ما جذب قلوب الفرس، حيث رأوا في الإسلام طريقًا نحو الإصلاح والارتقاء بأحوالهم.

ولا يخفى على أحد أن بلاد فارس، بفضل الإسلام، أصبحت مهدًا لحضارة مزدهرة، تفوقت في نواحٍ عديدة على حضارتها السابقة قبل الفتح الإسلامي. وقد أشارت بعض المصادر إلى أن العرب والفرس، رغم اختلافاتهم، ارتبطوا بصلة قديمة من زمن الأساطير، وتجدد هذا الارتباط في صدر الإسلام.

وتروي إحدى الروايات أن عبد الله بن عامر، حينما فتح خراسان، وجد ابنتين ليزدجرد بن شهريار، ملك الفرس، فأرسل بهما إلى عثمان بن عفان. ووهب إحداهما للحسن بن علي، والأخرى للحسين. وقد سميت إحدى هاتين الابنتين "شهربانو"، وولدت للحسين بن علي ولده علي بن الحسين. وكان الحسين يقول لابنه: "يا ابن الخيرتين"، مشيرًا إلى أنه خيرته من العرب من قريش، وخيرته من العجم من فارس.

وبالعودة إلى دور عمر بن الخطاب في فتح فارس، نرى أنه كان له تأثير بالغ في هذا الحدث التاريخي، فقد قُتل على يد عبد فارسي من أهل نهاوند يُدعى أبو لؤلؤة، والذي انتقم من عمر بعدما رأى الأسرى من أبناء قومه. وقيل إن كعب الأحبار أخبر عمر بأن عمره شارف على الانتهاء. وفي أحد الأيام، قابل أبو لؤلؤة عمر وطلب منه أن يخفف عنه الخراج الذي كان عليه دفعه للمغيرة بن شعبة، إلا أن عمر اعتبر الخراج معقولاً نظرًا للمهارات العديدة التي يمتلكها العبد. حينها، توعده أبو لؤلؤة بصناعة رحى يشيع ذكرها في المشرق والمغرب، ولم يكن عمر يعلم أن تلك الرحى ستكون سلاحًا لقتله.

وفي صلاة الفجر في شهر ذي الحجة من السنة الثالثة والعشرين للهجرة، تربص أبو لؤلؤة لعمر وطعنه عدة طعنات، ليغلق بذلك فصلاً حاسمًا في تاريخ الفتوحات الإسلامية.

وقد ذُكرت روايات عدة حول دور الهرمزان في مؤامرة قتل عمر بن الخطاب، حيث قيل إنه تعاون مع أبو لؤلؤة على تنفيذ الجريمة. وذُكر في بعض المصادر أن الهرمزان منح أبو لؤلؤة خنجرًا مزدوج النصل، مصنوعًا خصيصًا من أجل هذه الغاية، وكان مسمومًا بطريقة تُعجِّل بقتل الضحية بعد الطعن مباشرة. كما أورد بعض الشعراء الفرس أبياتًا تعبر عن الحقد المستمر تجاه العرب وتحديدًا عمر بن الخطاب، الذي اعتبروه العائق الأكبر أمام استعادة مجدهم المفقود بعد الفتح الإسلامي لفارس.

وفي المقابل، اعتبر المسلمون أن استشهاد عمر كان جزءًا من قدر الله المحتوم، ورغم الحزن الذي ساد بعد مقتله، إلا أن إرثه ظل محفوظًا في قلوب المؤمنين. فكان من أبرز منجزاته التوسع الكبير الذي شهدته الدولة الإسلامية في عهده، وفتح أراضٍ واسعة في فارس والشام ومصر. ولم يكن فتح فارس مجرد انتصار عسكري، بل كان بداية لحقبة جديدة من التفاعل الثقافي والحضاري بين العرب والفرس، حيث أثرت الحضارة الفارسية في تطور الفنون والعلوم الإسلامية بشكل كبير.

وقد أتى هذا التأثير المتبادل بين العرب والفرس في كثير من المجالات، مثل الأدب والفلسفة والعلم، فبعد الفتح الإسلامي بفترة وجيزة، بدأ العلماء الفرس يبرزون في ميادين الفكر والمعرفة، مؤسسين نهضة علمية في مجالات الطب والفلك والرياضيات والعلوم الأخرى. كما استوعب العرب الكثير من التقاليد الثقافية الفارسية، مما ساعد في خلق حضارة إسلامية غنية ومتعددة الأوجه.

أما عن علاقة الفرس بالإسلام، فقد كانت أكثر تعقيدًا من مجرد اعتناق دين جديد. فالإسلام لم يُفرض بالقوة، كما يؤكد العديد من الباحثين الغربيين الذين درسوا تلك الحقبة. بل اعتنق الفرس الإسلام تدريجيًا عن قناعة وإيمان بفوائده، لا سيما وأنه جلب لهم نظامًا اجتماعيًا جديدًا يقوم على العدالة والمساواة، وهو ما كان مختلفًا تمامًا عن النظام الزرادشتي الطبقي الذي كان يميز بين الطبقات الاجتماعية ويضطهد الفقراء والحرفيين.

وفي الوقت ذاته، لم يكن الفرس بعيدين عن الإسلام حتى قبل الفتح، إذ كانت هناك تأثيرات متبادلة بين الزرادشتية والإسلام، فقد أشار بعض المؤرخين إلى وجود تشابهات عقائدية بين الديانتين، مثل الإيمان بالملائكة والجن والبعث بعد الموت والجنة والنار، وهو ما سهل على الفرس قبول الدين الجديد. لكن مع ذلك، يبقى الإسلام هو الرسالة الجامعة التي تجاوزت تلك التشابهات وأعطت للفرس دورًا مركزيًا في بناء الحضارة الإسلامية.

وفي النهاية، لا يمكن إغفال دور الفرس في إسهامهم الكبير في بناء تلك الحضارة التي أصبحت رمزًا للإبداع والابتكار، كما لا يمكن إنكار أن علاقتهم بالعرب ظلت معقدة تتراوح بين الاحترام المتبادل والرغبة في استعادة مجدهم السابق. ومن هنا، تظل قصة الفتح الإسلامي لفارس إحدى أهم محطات التاريخ الإسلامي، لما تحمله من عبر ودروس حول التفاعل الثقافي بين الأمم.

 الخاتمة والملخص

  • دور عمر بن الخطاب في فتح فارس: عمر بن الخطاب كان له دور محوري في فتح فارس، وأمر بتوزيع بساط "بهار كسری" على المسلمين بعد الفتح.
  • 💰 موقف عمر من ثروات الفرس: عندما أُرسل له قباء كسرى وسيفه، رفض استغلالها وأمر بخلعها عن الأعرابي الذي ارتداها.
  • ⚔️ اعتناق الفرس الإسلام: الفرس اعتنقوا الإسلام بشكل طوعي، واستفادوا من الرسالة التي جلبها الإسلام خاصةً في الجوانب الاجتماعية.
  • 🔗 التفاعل الثقافي بين العرب والفرس: بعد الفتح، أسهم الفرس بشكل كبير في تطوير الحضارة الإسلامية، خصوصًا في المجالات العلمية والأدبية.
  • 🕌 التشابهات العقائدية بين الإسلام والزرادشتية: وجود أوجه تشابه بين العقيدتين مثل الملائكة والبعث ساهم في تسهيل انتشار الإسلام بين الفرس.
ملخص: ساهم فتح فارس في تعزيز التفاعل الثقافي بين العرب والفرس، مع اعتناق واسع للإسلام وتطور ملحوظ في الحضارة الإسلامية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

Your Ad Spot