الشعوبية وتأثيرها في الدولة العباسية ودور الموالي في السياسة والثقافة |
Populism and its impact on the Abbasid state and
the role of the Mawali in politics and culture
الشعوبية:
إن قيام الدولة العباسية استند إلى
جهود الموالي، فقرّبهم الخلفاء واعتمدوا عليهم، مما أفرز بشكل واضح نزعتهم
الشعوبية. وبرزت هذه الحركة بوضوح في تلك الفترة، حيث لم يكن الشاعر الشعوبي يخشى
شيئًا، لا من سلطة حاكم ولا من انتقام أمير، فكانت الدولة مدينة بوجودها وقيامها
لأولئك الموالي، وكانوا يرتبطون بعلاقات دم مع الأعاجم. وقد كان القادة والوزراء
وأرباب السياسة من الموالي، يتعصبون لأبناء جنسهم ويدافعون عنهم، محاولين صبغ
الدولة بالهوية الفارسية.
تستمد كلمة الشعوبية أصلها من الآية
الكريمة في سورة الحجرات: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ
وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)، حيث تشير إلى أن
التفاضل بين البشر لا يكون على أساس العرق أو اللغة، بل بالتقوى. ومن يتبنى هذه
النظرة هم أهل المساواة، الذين يعتبرون أن الأمم كلها متساوية.
وقد تناول الجاحظ الشعوبية في إحدى
رسائله عن بني أمية، منتقدًا العصبية وحمية الجاهلية التي تُفسد الدين والدنيا.
ولم يُعرف المصطلح "الشعوبية" بمعناه الاصطلاحي إلا في العصر العباسي،
وظهرت بوادرها عند شعراء من أصل فارسي، ممن وجدوا التشجيع من ولاة الأمور الفرس،
حتى أن الوزير طاهر بن الحسين كافأ شاعرًا شعوبيًا لأنه ألّف كتابًا ينتقد فيه
العرب.
وكان بشار من هؤلاء الشعراء
المتعصبين لشعوبيتهم، حيث قال مستهزئًا بالعرب ومفتخرًا بأصوله الفارسية. وهاجم
بشار العرب بانتقاده لحياة البداوة القاسية وخشونة العيش في الصحراء.
أما الخريمي، فكان شديد الاعتزاز
بأصله الفارسي، حيث يرى أن التفاضل بين الناس لا يكون إلا بالعقل والدين، وهذا
يمثل شعوبية معتدلة مقارنة مع بشار.
وكان المتوكل من الشعراء الذين
تفاخروا بأصولهم الفارسية بشكل صريح، معبرًا عن ولائه للفرس واستخفافه بالعرب.
كذلك مهيار الديلمي الذي خصّ ملوك
بني بويه بمدائحه، ودافع عن الفرس في مواجهة العرب، مرجحًا كفة الفرس في موازناته
بين الأمتين.
وأيضًا أبو نواس الذي سخر من العرب
في أشعاره، منتقدًا حياتهم الخشنة وعاداتهم، ومفضلًا التراث الفارسي على العربي.
وفي النهاية، عندما ضاق ميدان الشعر
بالشعوبية بسبب القيود المفروضة على الوزن والقافية، لجأ الشعوبيون إلى التأليف.
وكان أبو عبيدة من أبرز هؤلاء المؤلفين، الذي كتب عن فضائل الفرس ومثالب العرب،
محاولًا تحريف الحقائق لصالح الفرس.
ومن الشعوبيين الآخرين الهيثم بن عدي
الذي ألّف العديد من الكتب التي تنتقد العرب وتهاجم نسبهم، وكان الجاحظ من أبرز من
رد عليه في كتابه "البخلاء".
ومع مرور الوقت، ازداد تأثير
الشعوبية في الأدب والسياسة العباسية، ولم يقتصر الأمر على الشعر والتأليف فقط، بل
امتد إلى المناقشات الفكرية والجدل حول أحقية الأعراق المختلفة في الهيمنة
والقيادة. فالعديد من المؤرخين والشعراء كانوا يميلون إلى تصوير الفرس على أنهم
ورثة الحضارات العريقة وأصحاب العقول المدبرة، بينما كانت تُرسم صورة العرب بشكل
سلبي، تُظهرهم كأهل بادية لم يساهموا كثيرًا في بناء الحضارة.
ومن أبرز هؤلاء المؤرخين الذين
وُصفوا بالشعوبيين، أبو عبيدة معمر بن المثنى، الذي يُعتبر من أقدم المدافعين عن
الفرس، إذ ألّف العديد من الكتب التي تنتقص من شأن العرب، مثل كتابه "فضائل
الفرس" و"مثالب العرب"، حيث حاول من خلالهما التركيز على نقائص
العرب مقابل تعظيم إنجازات الفرس. ولم يكن هو الوحيد، فقد ظهر الكثير من الكُتاب
الذين ساروا على خطاه، لكنهم كانوا دائمًا عرضة للانتقاد من قِبَل أدباء آخرين
أكثر اعتدالاً.
وفي الأدب الشعري، كان هنالك امتداد
لهذه النزعة الشعوبية في نصوص شعراء مثل مهيار الديلمي، الذي لم يكتفِ بمدح الفرس
فقط، بل كان يسعى دائمًا للتقليل من شأن العرب. في إحدى قصائده الشهيرة، يعقد
موازنة بين العرب والفرس فيقول:
بهذه الأبيات، أراد مهيار أن يُظهر
أن العرب لا يملكون ما يفتخرون به سوى العمائم التي تُلبس على رؤوسهم، في حين أن
الفرس يفخرون بتيجانهم التي ترمز إلى ملكهم وحضارتهم.
ورغم كل هذه النزعات الشعوبية التي
سادت في تلك الفترة، إلا أن الكثير من العلماء والأدباء العرب وقفوا ضد هذا التيار
بقوة، مؤكدين أن الإسلام جاء ليقضي على العصبيات القبلية والعرقية، ويجعل التقوى
والعمل الصالح هو معيار التفاضل الوحيد. ومن هؤلاء كان الجاحظ، الذي رغم أصوله غير
العربية، إلا أنه انتقد بشدة العصبية الفارسية والعربية على حد سواء، معتبرًا أن
التفاخر بالنسب والعرق ليس إلا وسيلة لتفتيت المجتمع الإسلامي.
وفي الختام، يمكن القول أن الشعوبية، على الرغم من تأثيرها العميق في الأدب والسياسة العباسية، كانت في النهاية تيارًا يعكس صراعًا فكريًا واجتماعيًا بين طبقات المجتمع العباسي المتعددة الثقافات. ومع ذلك، فإنها لم تتمكن من التغلب على القيم الإسلامية التي كانت ترى في التقوى والعمل مقياسًا للتفاضل بين الناس، وليس الأصل العرقي أو النسب.
- الشعوبية
في العصر العباسي: نشأت
الشعوبية نتيجة لجهود الموالي في الدولة العباسية، حيث أصبحوا جزءًا أساسيًا
من السلطة والقيادة.
- 🏛 تعزيز
الهوية الفارسية: الموالي،
وخاصة من الفرس، سعوا إلى تعزيز الهوية الفارسية في الدولة العباسية، مما أدى
إلى نزعات شعوبية قوية.
- ✒ الشعراء
الشعوبيون: العديد
من الشعراء الفرس، مثل بشار والخريمي، تفاخروا بأصولهم الفارسية وسخروا من
العرب وعاداتهم.
- 📚 التأليف
الشعوبي: لجأ
الشعوبيون إلى التأليف بعد تقلص مجال الشعر، وكان أبو عبيدة والهيثم بن عدي
من أبرز الكُتّاب الذين انتقدوا العرب.
- 🔄 الصراع
الثقافي: الشعوبية
عكست صراعًا اجتماعيًا وفكريًا بين العرب والفرس في العصر العباسي، مع تصوير
الفرس كحضارة عظيمة والعرب كأهل بادية.
- 🌍 الردود
العربية: واجه
العرب، مثل الجاحظ، هذه النزعات الشعوبية بقوة، مؤكدين على أن التفاضل بين
الناس يجب أن يكون بالتقوى والعمل الصالح وليس بالنسب.
- 📖 النزاع
الأدبي والسياسي: امتد
تأثير الشعوبية في الأدب والسياسة، وأثر في النظرة العامة للعرب والفرس.
الخلاصة: الشعوبية
كانت تيارًا فكريًا وسياسيًا في الدولة العباسية، تعكس الصراع بين الفرس والعرب
على الهيمنة الثقافية والسياسية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق