الخميس، 19 سبتمبر 2024

Myth and History in Arabic Poetry

سابور الفارسي ونضيرة: الأسطورة والتاريخ في الشعر العربي




Elegant Lamp with Mosque Holy Gate with fireworks


هذا ملخص قصة سابور الفارسي مع نضيرة العربية، التي تنتقل من الخيال الأسطوري إلى الواقع التاريخي. ومن الجدير بالذكر أن ما حدث بين سابور والساطرون تحديدًا كان له أصداء انعكست في الشعر العربي، مما يدل على أنه كان حدثًا مهمًا أفسح المجال للشعراء للتعبير عنه بعمق. قال أبو دؤاد الإيادي:

وأرى الموت قد تدلى من الحضر
على رب أهله الساطرون

في هذا البيت يتألم أبو دؤاد لمصير هذا الملك العربي، ويتفجع على تمزق ملكه. كما وصف الأعشى الحضر والحصار الذي ضربه سابور بقوله:

ألم تر للحضر إذا أهله
بنعمى وهل خالد من نعم
أقام به شاهفور الجنود
حولين يضرب فيه القد

وهذا الكلام مشابه لقول أبي دؤاد الإيادي، وإن كان أكثر وضوحًا في غرضه. أما عدي بن زيد فقد تناول نفس المعنى، واستشهد بما حدث لنضيرة ليؤكد أن الأيام دول، وأن الدهر يتغير، وذكره مع أنوشروان وسابور فقال في نسقٍ عن هؤلاء الملوك الثلاثة:

أيها الشمات المعير بالدهر
أأنت المبرأ الموفور
أم لديك العهد الوثيق الأ
يام بل أنت جاهل مغرور
أين كسرى الملوك أنوشرو
و إن أم أين قبله سابور
وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجلة
تجبى إلى الخابور
شاده مرمراً وجلله كلسا
فللطير في داره و كور
سره ملك وكثرة ما يم
لك والبحر معرضا والسدير
ثم أضحوا كأنهم ورق جف
فألوت به الصبا والدبور

غير أن صاحب "الأخبار الطوال" يروي قصة الضيزن وابنته مع ملك الفرس رواية مختلفة. فهو يرى أن ملك الفرس لم يكن سابور الأول، بل سابور ذو الأكتاف، وأن اسم ابنته كان مليكة. وذكر أن أمها كانت عمة سابور، دختوس ابنة نرسي، وأن الضيزن أسرها بعدما غزا طيسفون. لكنه يتفق مع الثعالبي في بقية القصة، ويضيف بُعدًا جديدًا للعلاقة بين العرب والفرس، حيث كانت أم نضيرة أو مليكة عمة سابور، والضيزن غزا طيسفون وهزم الفرس حتى أسر عمة ملكهم.

وعن سابور ذو الأكتاف، يُقال إنه كان له صلة وثيقة بالعرب، فقد حرّك العرب همته لشن الغارات، وكان حينها في الثامنة عشرة من عمره. وحدث أن العرب من سكان الساحل الجنوبي للخليج ثاروا عليه وغزوا خوزستان حتى غزوا طيسفون. فخرج سابور على رأس جيش كبير، هزمهم وطردهم من بلاده، ثم تبعهم إلى ديارهم وقتل قائدهم. أما الباقون منهم فقد تم نفيهم إلى مناطق مختلفة؛ بني ثعلب إلى البحرين، بني قيس وبني تميم إلى عمان وكرمان، وبني حنظلة إلى الأهواز والبصرة. وأمر سابور بثقب أكتاف العرب وسلك حبالًا فيها، ولهذا سُمي بذي الأكتاف.

يُروى أن عمرو بن تميم، وكان شيخًا حكيمًا، سأل سابور عن سبب تقتيله للعرب، فأجابه بأن العرب دمروا بلاده وأن المنجمين تنبؤوا بأنهم سيعودون ويهزمونه. فأجابه عمرو بأن الفاسدين نالوا عقابهم، وأنه إذا كانت نبوءة المنجمين صادقة فعليه أن يعمل بإحسان حتى يحسنوا هم العمل في ذلك اليوم، أما إذا كانت النبوءة كاذبة فإن قتل الأبرياء لا يليق بمقام الملك. فوافق سابور على رأي عمرو وكف عن تقتيل العرب.

ويروي المسعودي في "مروج الذهب" عن سابور وعلاقته بالعرب بطريقة مشابهة في مواضع، ومخالفة في أخرى، ويمدنا بمزيد من الأخبار والأسماء. فيقول إن العرب غلبت على سواد العراق، وكان الوزراء يتولون إدارة الأمور، وكانت قبيلة إياد بن نزار تسمى "طبق" لإطباقها على البلاد. وكان ملكهم يومئذ الحارث بن الأغر الإيادي. وعندما بلغ سابور السادسة عشرة من عمره، جهز جيشًا كبيرًا وخرج لمواجهتهم. وكان في حبس سابور رجل من إياد يُدعى لقيط، فأرسل إليهم قصيدة يحذرهم فيها:

سلام في الصحيفة من لقيط
على من في الجزيرة من إياد
بأن الليث يأتيكم دلاقا
فلا يحسبكم شوك القتاد
أتاكم منهم سبعون ألفًا
يجرون الكتائب كالجراد
على خيل ستأتيكم فهذا
أوان هلاككم كهلاك عاد

لكنهم لم يكترثوا لتحذيراته، وعندما تقدم الفرس إليهم، أرسل إليهم قصيدة أخرى يحثهم فيها على التحشّد والاستعداد:

أبلغ إيادًا وحلل في سراتهم
أني أرى الرأي إن لم أعص قد نصعا
ألا تخافون قومًا لا أبا لكم
مشوا إليكم كأمثال الدبى سرعا
لو أن جمعهم راموا بهدتهم
شم الشماريخ من شهلان لا نصدعا
فقلدوا أمركم لله دركم
رجب الزراع بأمر الحرب مضطلعا

ويُقال إن القتل عم العرب، ولم ينجُ منهم إلا نفر قليل لجأ إلى أرض الروم. وبعد ذلك خلع سابور أكتاف العرب، فسمي بذي الأكتاف. هذه حقائق تاريخية تدل على أن قبائل من العرب عاشت مع الفرس، وأن بعض رجال هذه القبائل ازدهرت قوتهم حتى هددوا دولة الأكاسرة.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

Your Ad Spot