الاثنين، 23 سبتمبر 2024

History of Arab-Persian relations

سیف بن ذي يزن والفرس في اليمن وتاريخ العلاقات العربية الفارسية

old map with other things on table

عهد أنو شیروان إلی وهرز، مانحاً إياه تاجاً وخلعة ومنطقة، وأمره قائلاً: "إذا وصلت إلى اليمن، فاسأل أهلها عن هذا الرجل، يعني سیف بن ذي يزن. فإن كان من الملوك، فسلّم له السلطان، وألبسه التاج والخلعة والمنطقة. وإن لم يكن من الملوك، فارسل إليّ برأسه، وسيطر على البلاد إلى أن تتلقى مني تعليمات جديدة". فسأل وهرز أهل اليمن عن سیف، فأجابوا: "هو ملكنا وابن ملكنا، وهو الساعي لأخذ ثأرنا." فقام وهرز بتسليمه التاج والمنطقة والخلعة، وترك الأمر بين يديه.

تم تنصيب سیف ملكاً بتفويض من كسرى، وكان یتلقی رسائله ویصدر قراراته بناءً علی رأیه حتی قُتل. وكان سبب قتله أن بعض خدمه من الحبشة انتهزوا فرصة غفلته أثناء رحلة صيد، فطعنه أحدهم بالحربة وهربوا إلى الجبال. وتمكن أعوانه من ملاحقتهم وقتلهم جميعاً. لكن، بعد مقتل سیف، لم يتمكنوا من تنصيب ملك آخر، واستقل كل جزء من اليمن بحاكم من حمیر، وظلت البلاد تحت حكم الملوك المحليين حتى ظهور الإسلام. ويُقال إن النبي صلى الله عليه وسلم بعث باذان، وكان والياً على اليمن بتفويض من برويز، مع اثنين من قادة برويز، وهما فيروز وذادویه، اللذان أسلما.

وفي وصف نفسه، يقول سیف بن ذي يزن:

"لقد ارتفعت إلى الحبوش بمعية أبناء كل أسد شجاع
قالوا: ابن ذي يزن يزحف نحوكم، فاحذروا! لكن هيهات أن ينفعكم الحذر
حتى إذا ظنوا أن الخطر بعيد، فاجأتهم بين صفوف الأحرار
لم أترك منهم أحداً حتى أخذت بثأري من العبيد"

نشوة انتصار العرب على الأحباش استمرت لفترة طويلة. فالبحتري، وهو قحطاني الأصل، يتفاخر في قصيدته الشهيرة التي وصف فيها إيوان كسرى بتلك المساعدة التي قدمها الفرس لقومه، قائلاً إن الفرسان الفرس دعموا ملكهم. والجدير بالذكر أن فرحة العرب بهذا الانتصار وتمجيدهم للفرس لم يكن نابعاً من حب للفرس بقدر ما كان كراهية للأحباش. فقد أمر أبرهة الحبشي أسقف ظفار بوضع قوانين جديدة، وبنى كنيسة في صنعاء بالرخام والفسيفساء، مستعيناً بأفضل الحرفيين الذين أرسلهم قيصر الروم. وكتب إلى النجاشي قائلاً إنه ينوي تحويل حجاج العرب إلى هذه الكنيسة لتحل محل الكعبة.

يُقال إن أبرهة كتب إلى ملك الحبشة: "لقد بنيت لك كنيسة لم يسبق لها مثيل، ولن أترك العرب حتى أحول حجهم عن بيتهم الذي يقصدونه."

لكن كل الجهود التي بذلها أبرهة لجعل المسيحية الدين الوحيد في بلاد العرب ذهبت سدى. فغضب العرب من هذه المحاولة، وخرج رجل من بني مالك إلى اليمن، وانتهك حرمة الكنيسة، فأقسم أبرهة أن يهدم الكعبة. لكن الله حفظ بيته، وأخزى أبرهة. وظلم أبنائه من بعده زاد من نقمة العرب على حكم الأحباش.

العلاقات بين العرب والفرس شهدت العديد من الأحداث والشخصيات المتباينة، بعضها أساطير وبعضها شبه أساطير، إلا أن بعضها حقائق تاريخية مؤكدة. ومن بين تلك العلاقات أن بطوناً من ربيعة ومضر استقرت في سواد العراق والجزيرة، وصار لهم ديار ومراعٍ، وكانوا تحت حماية الفرس. (ابن الأثير، الكامل، ج ٢). كما استقرت قبيلة تنوخ غرب الفرات على الحدود الفارسية، وأسس لهم سابور إمارة الحيرة عام ٢٤٠م، وجعل عمرو بن هند حاكماً عليها. وكان التجار الفرس يأتون إلى مكة قبل أن يتولى هاشم زمام التجارة، ويشترون ويبيعون مع العرب. ثم توسعت العلاقات التجارية مع الفرس، خاصة عندما اختص نوفل بن هاشم بالتجارة معهم وأبرم معهم معاهدات تجارية. (الأصفهاني، الأغاني، ج ١٦).

وكان كسرى برويز يرسل سنوياً قافلة تجارية لبيع منتجاتها في سوق عكاظ، لكن بني عامر هاجمت القافلة وأخذتها، مما أثار غضب النعمان بن المنذر، الذي أعلن الحرب وأرسل جيوشه لمهاجمة بني عامر.

كانت التجارة وسيلة التواصل بين فارس واليمن، وكانت القوافل التجارية تحظى بحماية القبائل العربية مقابل أجر من ملوك الفرس. على سبيل المثال، بعث كسرى قافلة إلى عامله في اليمن، وكان باذان على رأس الجيش الذي بعثه كسرى إلى اليمن.

وكانت تلك القافلة تحمل أخشاباً تُستخدم في صناعة الأقواس والسهام، وكانت محمية في طريقها من المدائن إلى اليمن بواسطة رجال من قبيلتي ربيعة ومضر، حتى وصلت إلى عمال باذان باليمن.

تلك العلاقات التجارية والسياسية بين العرب والفرس لم تكن مجرد علاقات عابرة، بل كانت راسخة وعميقة. ولم يكن العرب في ذلك الوقت مجرد متلقين للعون أو الدعم الفارسي، بل كان لهم دور نشط في هذه العلاقات، حيث استفادوا منها في تعزيز اقتصادهم وقوتهم العسكرية. فقد كانت القبائل العربية تؤدي دوراً حيوياً في حماية قوافل التجارة الفارسية التي كانت تعبر بلاد العرب، وتحصُل على مقابل مادي لقاء هذه الحماية، مما ساعد في تعزيز الاقتصاد المحلي وزيادة الروابط مع الإمبراطورية الفارسية.

ومن أبرز الأمثلة على تلك العلاقة المتينة كانت التجارة الكبيرة التي كان يديرها النعمان بن المنذر، حيث كان يُعتبر من أهم الوسطاء بين العرب والفرس. وكانت أسواق العرب، مثل سوق عكاظ، تُمثل مركزاً للتجارة الدولية، حيث كانت تُعرض البضائع الفارسية إلى جانب البضائع العربية.

ومع الوقت، بدأت بعض القبائل العربية تتأثر بالثقافة الفارسية، سواء في اللباس أو العادات والتقاليد. وكانت تلك التأثيرات واضحة في المجتمعات العربية في الحيرة والعراق، حيث امتزجت الثقافتان الفارسية والعربية في نمط حياة مشترك.

لكن رغم هذه العلاقات الوثيقة، كانت هناك أحياناً توترات سياسية وصراعات، كما هو الحال في التوترات التي نشأت بين بني عامر وقوافل الفرس. تلك الأحداث لم تكن مجرد صراع بين قبائل عربية وإمبراطورية فارسية، بل كانت جزءاً من التنافس الأوسع على السلطة والنفوذ في المنطقة.

ومع دخول الإسلام وانتشاره، تغيّرت العلاقات بين العرب والفرس بشكل جذري. فبعد الفتوحات الإسلامية، أصبحت المناطق التي كانت تحت النفوذ الفارسي، مثل العراق واليمن، جزءاً من الدولة الإسلامية. وبدأ العرب ينظرون إلى الفرس ليس فقط كحلفاء أو أعداء سابقين، بل كجزء من الأمة الإسلامية الجديدة التي جمعت بين مختلف الأعراق والشعوب تحت راية الإسلام.

ومع ذلك، ظلت العلاقات الثقافية بين العرب والفرس قوية، حيث استمر التأثير الفارسي في مجالات الأدب، والفلسفة، والفن. وكانت الترجمة من الفارسية إلى العربية خلال العصر العباسي من أهم أدوات نقل المعرفة، خاصة في مجالات الطب، والرياضيات، والفلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

Your Ad Spot