الروابط التاريخية بين العرب والفرس عبر العصور الأسطورية
بين العرب والفرس وشائج تاريخية مترابطة وجذور تمتد إلى أزمان بعيدة. إذا حاولنا تتبع هذه الروابط في سياق تاريخي محدد، لوجدنا أنفسنا مضطرين للرجوع إلى العصور الأسطورية في تاريخ الفرس. فمن أشهر ملوك هذه الحقبة "الضحاك"، الذي يتناقل المؤرخون أن نسبه يعود إلى العرب. قيل إنه كان عربيًا وابن ملك عربي يُدعى "مرداس"، رجل عادل وتقي، غير أن الشيطان أغوى الضحاك، فقتل أباه واستولى على الملك من بعده. في رواية أخرى، يقال إن الضحاك الحميري قاد جيشًا عظيمًا من اليمن، فاجتاح جمشيد كما يهجم العقاب على الأرنب، واستولى على ممتلكاته ونسائه، مما دفع جمشيد إلى الهروب.
أبو نواس، الشاعر العربي، نسب الضحاك إلى "تبابعة" اليمن، وأشاد به في قصيدة افتخر فيها بقحطان أمام نزاد. الطبري ذكر أيضًا أن العجم ادعوا الضحاك ونسبوه إلى بلادهم، مشيرين إلى أنه كان أحد ملوك غرب إيران. ومع تضارب هذه الأقوال، يبقى أن شخصية الضحاك تربط بين العرب والفرس، لكنها تغرق في الأساطير، مما يجعل من الصعب التمييز بين الحقيقة والخيال.
وعند تناوله لشخصية الملك الإيراني القديم "منوجهر" والأحداث التي وقعت في عهده، ذكر الطبري أن بعض المؤرخين يعتقدون أن نسبه يعود إلى النبي إبراهيم عليه السلام، واستشهد بأبيات للشاعر جرير، التي تفخر بنسب العرب إلى إسحاق. ومع ذلك، فإن الفرس أنكروا هذا النسب واعتبروا أنه ادعاء باطل، لكنه مع ذلك يعكس حقيقة كانت معروفة بين العرب، والتي أكدها الشاعر جرير في قصيدته.
هناك أيضًا شخصية فارسية أخرى تربط بين العرب والفرس، لكنها تختلف عن الضحاك من حيث تاريخها واتصالها المباشر بالعرب. هذه الشخصية هي "كيكاوس"، الذي حكم لمدة 150 عامًا، واشتهر بشجاعته وقوته في الحروب. قيل إنه فتح بلاد مازندران ووقع في أسر الجن، حتى جاء البطل "رستم" لإنقاذه، وبعد أن استعاد بصره بمعجزة. خاض كيكاوس حربًا ضد اليمن، لكن الحظ لم يكن في صالح العرب، فاضطروا إلى التفاوض معه وتقديم الفدية، بما في ذلك الذهب والخيول والأسلحة. وتزوج كيكاوس من "سعدى"، ابنة ذو الأذعار، التي كانت مشهورة بجمالها، وقد أشار الفردوسي إلى هذا الزواج في كتاباته.
وبعد ذكر قصة "سعدى" العربية، التي أطلق عليها الفرس اسم "سودابة"، تأتي رواية عن فتاة عربية أخرى تدعى "نضيرة"، وعلاقتها بالملك الساساني "سابور بن أردشير"، الذي ينسب إليه بناء مدينة "نيسابور" وفتح جزيرة العرب بعد سيطرته على أرمينيا. نضيرة كانت ابنة الملك "الضيزن بن معاوية القضاعي"، المعروف في بعض المصادر باسم "الساطرون". يقال إن الضيزن أغار على بلاد فارس، وأسر أخت سابور أو عمته. على إثر ذلك، قاد سابور جيشاً إلى مدينة "الحضر"، الواقعة بين دجلة والفرات، حيث حاصر المدينة.
خلال الحصار، شاهدت نضيرة من برجها سابور، فأعجبت بحسن هيئته وهيبته، وتسللت مشاعر الحب إلى قلبها حتى لم يعد بإمكانها إخفاء شغفها. استخدمت ذكاءها لتدبر حيلة تمكنها من التواصل معه. كتبت رسالة على سهم تقول فيها: "إن وعدتني بالزواج والمعاشرة بالحسنى، سأرشدك إلى مكان تستطيع الدخول منه إلى المدينة بسهولة". وأرسلت السهم إلى سابور، الذي قرأه وكتب على سهم آخر وعداً بالزواج. فأرشدته نضيرة إلى الطريق السري، وفي غسق الليل، حملت الطعام والخمر للحراس الذين أكلوا وشربوا حتى ثملوا، مما أتاح لسابور وجنوده التسلل إلى المدينة وقتل الضيزن بينما كان جالساً على عرشه.
وفى النهاية، أوفى سابور بوعده وتزوج نضيرة، التي شعرت بالسعادة لكونها أصبحت زوجة لملك الفرس. غير أنه في ليلة من الليالي، لاحظ سابور وسادة عليها بقع من الدماء وسألها عن السبب، فأخبرته أن زهرة جُرحت أثناء جلوسها عليها. هنا تذكر سابور خيانة نضيرة لأبيها، وتساءل عن نوع الطعام الذي كانت تتناوله. أجابته بأنها كانت تتلقى أفضل الأطعمة من والدها، مما أثار غضبه، إذ رأى أنها قابلت إحسان والدها بالخيانة، وخشي أن تخونه كما خانت أباها. فأصدر أمراً بربط ضفائرها في ذيل حصان جامح، الذي جرى بها عبر أرض مليئة بالأشواك حتى تمزق جسدها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق