الاثنين، 16 سبتمبر 2024

Civilizations and Culture

 تأثير الحضارات على الثقافة العربية الإسلامية وإرثها الخالد


A man on camel along a woman carry water


ألحمد لله رب العالمين والصلٰوة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وبعد،

لقد عاشت الحضارات والثقافات متصلة بعضها ببعض ومتبادلة العطاء والأخذ في القوة والضعف، ومتباينة في السلام والحرب، وفي المودّة والعداء، وكما كانت متفاوتة في التأثير والـتأثر،  وكان الاتصال والاحتكاك قد أدى إلى التأثر والتأثير، وليس من شك أن اتصال أمة بأمة يعقب آثارا شتى في النظم والعادات واللغة والثقافة، وتلك الآثار تظهر بالقوة والضعف، وتستمر من جيل إلى جيل، وتنقرض أحيانا مع مرور الزمن وتقلبات الأيام، وهذه الدراسة تكشف لنا أهم معالم وملامح لتلك الحضارات الثلاث في احتكاكها مع الحضارة العربية في الجاهلية والإسلام.

لقد ظهرت الحضارة الإسلامية العربية ببعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جعلها الله سبحانه وتعالى دستورا للأمة وهداية للإنسانية ومستودعاً للقيم الخالدة ومخزناً للمعارف والعلوم ومنبعا للخير والفلاح، وهي تتمثل في القرآن الكريم لأنه آخر كتاب ينتهي به الدين ويختم به المذهب، وفي سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وكان من شأنه أنه آخر نبي لا نبي بعده، وجعل حياته قدوة للإنسانية وأسوة لكل إنسان ونموذجا لكل جيل يخلفه، فأتى الله سبحانه وتعالى فيها على غاية الأمر من النظام الذي لا نظام بعده، والقيم الروحانية السرمدية التى يتجاوزها زمان ولا مكان كالشرائع الأخرى، وربطها بنهاية المعمورة إذ لا قانون بعدها ولا حياة عقبها، وهي تدوم ما دامت الدنيا، وتنتهي من حيث تنقضي الحياة ويفنى الكون.

وهذه هي حقيقة لا مندوحة عنها، بأن هذه الحضارة ثمرة جهود شعوب كثيرة متبانية الأجناس، ولكن الإسلام صاغها في وحدة روحية، واتحاد دائم ووئام كامل، حيث خلق منها مجتمعا واحدا، كما أنها حضارة مدينة بالكثير الكثير إلى سحر اللغة العربية وروعتها، وهذه اللغة الرائعة ذات الأعجاز العظيم، والجزالة والعذوبة والسلسة، والمتانة والرصانة المثيرة.

نضجت الحضارة العربية الإسلامية وتطورت واستقامت متفائلة بالحضارات الأخرى وأخذت عنها في كثير من المجالات العلمية ولاسيما تأثرت بالفلسفة والطب والكيمياء والأجرام الفلكية وإلى غير ذلك من الفنون والعلوم من اليونانية والهندية والفارسية وما عدا من الحضارات الأخرى، ولكنها لم تستجب ولم تستسغ لكل ما جاء من الحضارات الأخرى، بل أخذت ما لم يؤثر في أساسها، وسعت في كيانها كل ما لا يخرج على أصالتها، فإنها تتميز بنظرتها إلى الإنسان نظرة شاملة وذلك هو المعيار السليم الذي يجب أن تقاس به مستويات التحضر لأمة ما، فالإنسان هو يكون الحضارة ويعيش بها ومعها ولها.

ليس التاريخ إلا تدوال الأيام وتقلباتها، وتنشأ فيها حضارات تزدهر وتتبلور، ثم تضمحل وتنقرض وتفنى، ولكنها تخلف وراءها تراثا من العادات والأخلاق والفنون، تأخذ عنها الحضارات التى تليها، وتحفظ عنها، ولكن الحضارة الإسلامية العربية تتفوق على جيمع الحضارات بحيث لا يعتريه الفناء، ولا يصحبها الاضمحلال، ولا يصيبها التدهور ولا الضعف، وذلك أنها سماوية إلهية خلقها خالق الكون فاطر السموات والأرض، فالقوانين فيها قوانين خالدة وقيم فيها قيم روحانية عالية تفوق عن كل نقد وتوجيه.

ويستهدف من وراء هذا البحث تصحيح وتصويب تلك المفاهيم الباطلة بأن الحضارة العربية الإسلامية لم تكن إلا رؤية بعض الحضارات القديمة، وقالب جديد، تطور لها، ومن ثم نرى أن الكتاب وخاصة الذي يهتمون بالحضارات، فإنهم قد كتبوا عن الحضارة والهندية والصينية والإغريقية وأطنبوا حديثهم عن المعجرة اليونانية بأنها لم تتأثر بأي حضارة بل أدرك الفلاسفة العظام الذين تطور بانتاجاتهم هذه الحضارة وبلغت شأوا عظيما، وذلك لأسباب سياسية ودينية وتعصبية، وأهملوا الحضارة العربية الإسلامية بحياد وموضوعية.

ومن أهم هذه الأسباب أن قوة إعلامهم مسيطرة، وأن معظم الدارسين من هؤلاء قد تخصصوا في جامعات الغرب على أيدى الغرب الذي يحاولون دائما تقليل شأن الحضارة العربية وحط منزلتها، وتجاوز دورها، مع أن المنهج العلمي ينصف ذلك كله، ويعكس لهم الحقيقة بكل جلاء وضوح.

غير أننا نرى خلال هذا البحث بأن الحضارة اليونانية التى تسمى المعجرة اليونانية كانت متأثرة بالحضارة العربية القديمة وخاصة ببلاد الرافديين والشام ومصر، وكانت هذه الحضارات القديمة نواة الحضارة اليونانية. وكان الحضارة الإسلامية ولو أخذت عنهم في مجال العلوم والفنون، فلم تتوقف، بل أخذت ثم استوعبت ونقدت ومن ثم أبدعت واخترعت حتى سادت العالم كله في فترة زمنية طويلة الأمد. فقد حفظ القرآن الكريم هذه الحضارة العربية الإسلامية وحفظ أصولها وقواعدها وثروتها وانتاجاتها الأبدية، وشكلتها حضارة عالمية خالدة سرمدية خلفت آثاراً ثرة على كل ثقافة سابقة من حيث تهذيبها وتقويمها وصفائها كما أنها اثرت آثارا رائعة على كل حضارة معاصرة لاحقه، وإن كثيراً من الحضارات المعاصرة قد استحالت الى هذه الحضارة العربية لغة وفنا وعقيدة وفكراً طقوساً وتقاليداً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

Your Ad Spot