السبت، 21 سبتمبر 2024

Al-Nu'man ibn al-Mundhir conflict with Khosrau

النعمان بن المنذر والصراع مع كسرى: القتل وأثره على العرب والفرس

 

peoples ride on camels


كان بهرام جور في ضيافة المنذر حينذاك، فأمره المنذر بالرحيل لاسترداد إرث أبيه، وأرسل معه ابنه النعمان. (ابن عبد ربه، العقد الفريد، ج٣، القاهرة: ١٩٢٨م، ص ٣٧٤) وقد حدث بين النعمان بن المنذر وكسرى خبر طويل؛ إذ غضب النعمان على عدي بن زيد فسجنه واستمر في حبسه طويلاً. كتب عدي إلى أخيه أبيّ الذي كان في معية كسرى، ولما علم كسرى بذلك بعث إلى النعمان يأمره بإطلاقه، غير أن النعمان قتل عدي قبل وصول الرسالة إليه، ثم ندم على قتله وسعى لاسترضاء زيد بن عدي، فمدحه عند كسرى حتى أصبح كاتباً له. إلا أن زيداً لم ينسَ ثأر أبيه، فكاد للنعمان عند كسرى حتى غضب عليه وقتله. وقيل إن مقتل النعمان كان السبب وراء وقعة ذي قار، حيث غضب العرب وانتقموا لمقتله. (الميراني، مجمع الأمثال، ج٢، القاهرة: ١٣٤٢هـ، ص ٣٥٢).

وقيل أيضاً إن النعمان لجأ إلى قبائل العرب بعد مقتل عدي بن زيد، إلا أن زوجته المتجردة أشارت عليه بالذهاب إلى كسرى لطلب العفو، ففعل ولكنه أُسِر وحُبِس في ساباط حتى مات، ويقال إنه دُهِس تحت الفيلة. كان النعمان عندما يتوجه إلى كسرى يترك خلفه كنوزه، التي تضم ثمانمائة درع وسلاح، أمانةً، ويودع ابنته هند عند أحد معارفه. (الجاحظ، القول في البغال، القاهرة: ١٩٥٥م، ص ١١٢).

هكذا كانت العلاقات بين العرب والفرس في عصر ملوك الحيرة؛ تتحسن تارة وتسوء أخرى. أما وقعة ذي قار، التي حدثت حوالي عام ٦١٠م، فكانت بسبب قتل كسرى برويز للنعمان وطلبه من هاني بن مسعود الشيباني إعادة الودائع التي كان النعمان قد تركها عنده. ولكن هاني رفض تسليمها، فأرسل كسرى إياش بن قبيصة الطائي على رأس جيش من الفرس والعرب، ولكن بنو شيبان انتصروا في ذلك اليوم، وكان هذا اليوم أحد أعظم أيام العرب حيث استطاعوا إهانة العجم لأول مرة. (بيرينا، إيران قديم، طهران: ١٢١٢هـ، ص ١٨١).

يقول أبو تمام في مدح أبي دلف الشيباني:

إذا افتخرت يوماً تميم بقوسها
وزادت على ما وطدت من مناقب

فأنتم بذي قار أمالت سيوفكم
عروش الذين استرهنوا قوس حاجب.

كما قال في مدح يزيد بن مزيد الشيباني:

أولاء بنو الأفضال لولا فعالهم
درجن فلم يوجد لمكرمة عقب

لهم يوم ذي قار مضى وهو مفرد
وحيد من الأشباه ليس له صحب

به علمت صهب الأعاجم أنه
به أعربت عن ذات أنفسها العرب

هو المشهد الفرد الذي ما نجا به
لكسرى بن كسرى لا سنام ولا صلب.

تعززت العلاقات بين العرب والفرس فيما بعد، وكان من أبرز مظاهر هذا التحالف الدعم العسكري الذي قدمه كسرى أنوشيروان لملك اليمن سيف بن ذي يزن عندما احتل الأحباش اليمن عام ٥٢٢م، فاستنجد ابن ذي يزن بالفرس، فأرسل كسرى معه وهرز الأسوار على رأس ثلاثمائة رجل. وقد حقق الفرس النصر، وسمي جيشهم بجيش النجاة. وكان وهرز قد طلب من رجاله أن يريه ملك الأحباش الذي كان يركب فيلاً، فقال لهم: "دعوه فإنه على مركب الملوك". ثم ركبه ملك الأحباش وهرز بعد نزوله عن الفيل، فأصاب وهرز الملك بسهم بين عينيه فقتله، وانهزم جيش الأحباش. (نشوان الحميري، ملوك حمير وأقيال اليمن، القاهرة: ١٣٧٨هـ، ص ١٥١).

وقد تبعت اليمن الفرس حتى ظهور الإسلام، وكان العرب يطلقون على الفرس هناك "الأبناء". (ابن قتيبة، المعارف، القاهرة: ١٩٣٤م، ص ٢٧٨). واستقبل العرب ذلك الحدث بسرور، وأرسلت وفودهم تهنئ سيف بن ذي يزن. وفي ذلك قال أبو الصلت:

لا يطلب الثأر إلا كابن ذي يزن
في البحر خيم للأعداء أهوالا

أتى هرقل وقد شالت نعامته
فلم يجد عنده النصر الذي سالا

ثم انتحى نحو كسرى بعد عاشرة
من السنين يهين النفس والمالا

حتى أتى ببني الأحرار يقدمهم
تخالهم فوق متن الأرض أجبالا

من مثل كسرى شهنشاه الملوك له
أو مثل وهرز يوم الجيش إذ صالا

لله درهم من فتيان صبروا
ما إن رأيت لهم في الناس أمثالا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

Your Ad Spot